المظاهر
الحضارية فى روما الملكية
بقلم د/ نعيمه على البحباح …
من خلال عامود من الحجر الاسود ثم العثور
عليه تحث أرضية الفورم الرومانى فى روما
يعود الى القرن السادس قبل الميلاد, تبين منه أن النظام السياسى القائم كان ملكى؛
لورود لفظ ملك, ولعل ما يؤكد ذلك استمرار استخدام هذا المصطلح فى لقبين من ألقاب حكام عصر الجمهورية تمثلا
فى inter- rex)) ومعناه
الحاكم المؤقت, ويلقب بـ ملك القرابين الذى يتم اختياره فى أعقاب وفاة القنصليين
أو استقالتهما ؛ حيث يسند اليه مهمة الاشراف على من ينتخب مكانهما ([1]), وبناءاً عليه اعْتُبِر التاريخ الذى حدد لإنشاء مدينة روما
(753ق.م) هو بداية النظام الملكى فى المملكة الرومانية والذى استمر حتى عام (509
ق.م) ؛ أى سقوط الملكية وقيام النظام الجمهورى([2]).
فما
هى طبيعة هذا النظام الملكى؟
أولاً: السلطة السياسية:
كانت الملكية الرومانية انتخابية من قبل الاسر النبيلة ,ثم يقر
الشعب هذا الاختيار,ويمنح الملك سلطة الامبريوم([3]) وبموجب هذه السلطة يتمتع الملك بالسلطات
الآتية:
1 - السلطة الدينية :
لم يكن الملك له السلطة الدينية المطلقة لوجود هيئة الكهنة والعرافين الذى
عليه الحصول على موافقتهم قبل البث فى الأمور المهمة, على الرغم من كونه الوسيط
بين البشر والآلهة ([4]).
2 - السلطة السياسية والعسكرية :
يباشر الملك سلطاته العسكرية أثناء الحروب([5]), ويدير دفة الحكم , وهنا يقتضي استشارة مجلس
الشيوخ المكون من المسنين من رؤساء العشائر الرومانية([6]).
3- السلطة القضائية :
بموجبها
يصبح من حق الملك إصدار القوانين وأحكام الإعدام ,ولا تنفد الأخيرة إلا بموافقة
مجلس الشيوخ([7]).
وكانت هناك
عدة مجالس سياسية تساعد الملك فى تسيير شؤون المملكة منها:
1- جمعية الاحياء :
يجتمع أعضاءها بدعوى من الملك , لعرض ما يهم الشعب الرومانى كالوصاية ومنح
حقوق المواطنة, ولم يكن لها سلطة تشريعية, وإنما يتوجب عليها إبداء الموافقة اتناء
إعلان الحرب أو تنصيب ملك ومنحه سلطة الإمبريوم ([8]), وتتكون هذه الجمعية من ثلاث قبائل هى: تيتس, ورمنس, ولوقرس, ويرجَّح
أن هذا التقسيم جاء على أساس المناطق السكنية وليس على أساس الجنس؛ حتى تؤدى كل
قبيلة ما عليها للدولة من مال وجنود بناءً على أمر الملك ([9]).
2- مجلس الشعب:
يضم هذا المجلس العشائر المكونة للمجتمع
الروماني, يطلق على كل منها (كوريا), ومن وظائفه : منح سلطة الأمبريوم للملك
والموافقة أو الرفض على ما يعرض عليه من أمور, كما كان لكل كوريا صوت يعبر عن
الرأى بأغلبية أعضائه فى المسائل السياسية([10]).
ويتضح مما تقدم أن سلطة الملك لم
تكن مطلقة؛ لخضوعها بشكل او بأخر للهيئات السياسية سالفة الذكر.
ثانياً : الحياة الاقتصادية فى العهد الملكى:
كانت
مساحة الإقليم الرومانى لا تزيد عن (500 كلم),إلا أن فلاحة الأرض ورعى الماشية من
أبرز الأنشطة الاقتصادية, وقد اتسمت ملكية الأراضى الزراعية بالملكية
الفردية,بينما ملكية الأراضى الرعوية بالملكية الجماعية, كما شهدت الصناعة تقدماً
ويرجَّح إنشاء نقاباتٍ للعمال الأحرار خلال هذا العصر من أولئك المشتغلين بصناعة
الفخار والمعادن , كالحديد, والذهب ودباغة الجلود وغيرها, كما حضيت التجارة
الداخلية والخارجية بازدهار , ويستدل على ذلك من وجود الأنية القورنتية والأنيقية
فى روما, فضلا عن إقامة مستعمرة وسوق على تل الافنتينوس؛ لتسهيل التقاء التجار
الآتين مع التجار القادمين من أماكن خارجية مختلفة([11]).
ثالثاً : الحياة الاجتماعية فى
العهد الملكى:
يتكون المجتمع الرومانى من
جميع المواطنين الأحرار والصالحين لأداء الخدمة العسكرية, والمشاركة فى الطقوس
الدينية, وحضور اجتماعات جمعيتها الشعبية, وأقدم اسم عُرف به هولاء هو (كوريتيس)؛
أى المدنيين من المواطنيين, ولعل ما يؤكد ذلك هو عندما حدثت فتنة بين رجال فرقة
يوليوس قيصر العاشرة, جمعهم وخاطبهم بقوله أيه الكوريتيس؛ أى أنهم أصبحوا مسرحين
من الجيش([12]).
يتكون المجتمع الرومانى من طبقتين : هما
طبقة البطارقة , وطبقة العامة, وتتكون الطبقة الأولى من كبار مُلاَك الأراضي,
وتتمتع هذه الطبقة بنفوذ وامتيازات فى الدولة؛ لثراء أفرادها وإلمامهم بأساليب
القتال, وتمتعهم بكثرة الاتباع ؛مما يتيح لهم جمع أعداد كبيرةأثناء الحروب, فضلاً
عن عراقة أصلهم وثقافتهم وتوافر الفرص ؛ ليكونوا من مستشارى الملك فى الجوانب
الدينية والسياسية والقضائية ([13]).
طبقة العامة:
شملت
هذه الطبقة متوسطى الدخل الأحرار من ملاَّك الأراضى الصغيرة والتجار وأرباب
الحرف المختلفة , وممن يؤجرون الأراضي,
وهؤلاء ارتبطوا بعلاقات والتزامات مع أصحاب الاراضى حتى يضمنوا حماية أصحاب
الأرض من ذات الطبقة ؛ تحقيقاً للأمان
ومواجهة اعتداء الآخرين عليهم مقابل بقائهم على ولائهم بفلاحة أراضى من يتبعون,
وتقديم المساعدة القتالية إذا اقتضى الأمر ([14]) , وسميت هذه العلاقة بالتبعية من ناحية
التابع والرعوية من ناحية الراعى([15]).
رابعاً : الحياة الدينية فى العهد
الملكى :
انعكس الطابع الريفى على
ديانة المجتمع الروماني, فكل أسرة تعبد
القوى الخفية أو الأرواح ؛ لترعى بيتها أو مكان عملها إذ اعتقدوا بوجود قوى وأرواح
تساعد أو تعرقل الرعاة أو المزارعين فى نشاطهم اليومى, أو ترشد أفراد الأسرة فى
كافة شؤونهم اليومية من زواج أو طلاق, مثل:
الألهة (يونو) حامية النساء فى مضاجعهن
ومخاضهن([16]) والإله: (يانوس) حارس باب المنزل,
و(لارفامبلياريس) حامية البيت والارض, و(مارس) باعث الحياة فى كل نبات ربيع,
و(يوبتر) المسيطر على الشمس والامطار([17]).
ديانة الدولة الرسمية : ماثلت ديانة الدولة ديانة الأسرة ؛ إذ أصبح
الإله (يانوس) حارس أبواب روما , و(مارس) الإله الذى يحول تيار المعارك الحربية
إلى صالح المملكة الرومانية, والإله (يوبتر) الساهر على مصالح المملكة, وتسانده فى
أداء مهامه (يونو ومنيرفا), ومن هذه الألهة الثلاثة تكون الثالوث الرومانى, وهنا
يتضح مدى تأثر الديانة الرومانية بالديانة الإغريقية ,فالربة (منيرفا) ما هى الا
الربة أثينا الإغريقية, كما تأثرت الديانة الرومانية أيضاً بالديانة الأتروسقية
والتى تتضح فى مظهرين, أولهما استبدال المدابح القديمة التى كانت تقام للإلهة
بمعابد على الطراز الأتروسقى,وثانيهما استطلاع رغبات الألهة قبل اتخاذ أي قرار أو
القيام بأى عمل, مما اقتضى تكوين هيئة من العرَّافين لأداء هذه المهمة, وكانت
ملاحظة الطيور فى حومها والدجاج فى إلتقاط
آكله, وفحص أحشاء القرابين, وتفسير الظواهر الطبيعية, من أهم مظاهر استطلاع رغبات الألهة أما طقوس العبادة فقد
كانت عبارة عن سكب مقدار من اللبن أو النبيذ؛ لكسب رضا الألهة, فإذا استجابت
للتضرع وجب تقديم قربان , وإن لم تستجب على المتضرع الاستمرار فى الضراعة حتى يكسب
رضاها.
وفى أواخر العصر الملكى أصبحت هناك هيئات
دينية فى المجتمع الرومانى تمثلت فى :
هيئة كبار الكهنة, وهيئة حارقى القرابين, وهيئة العرافين, وهيئة الراقصين الذين
كانوا يؤدون رقصات دينية, وهم مسلحون لاستجداء رضا إله الحرب مارس , وهيئة أخوة
الذئب الذين يعدون حول السياج المقدس ؛ ليبعدوا الأرواح الشريرة عن دولتهم, والعقم
عن نسائهم وقطعانهم([18]).
للمزيد تابعونا من
للدورات المجانية اشترك في
القناة
0 التعليقات: